لماذا نتحدث باللغة العربية الفصحى
سألني طالبٌ في الصف الرابع الابتدائي : لماذا يُطلب مِنَّا أن نتحدث بالفصحى؟
فأجبته : لأنها لغةُ الكتابِ الدِّراسي الذي أمامَك ، يجب عليك أن تتعلمها وتتحدَّثَ بها داخلَ المدرسةِ ، أما اللهجةُ العاميةُ فَتَحَدَّثْ بها في البيتِ والشَّارِعِ والسُّوقِ ، وفي حصة اللغة الإنجليزية تحدَّث باللغة الإنجليزية ، أمَّا في باقي الحِصَصِ فعليكَ أَنْ تَتَحَدَّثَ باللغةِ العربيةِ الفصحى التي هي لغةُ الكتابِ ؛ حتى تستطيعَ فَهْمَ الدُّرُوسِ على الوجه المطلوبِ .
ومن أهم عوامل إبداع الطلاب ، وحصولِهم على أعلى المستويات في مناهجهم وتعليمهم أن يتمَّ شرحَ العلومِ كلِّها لهم بلغتهم الأمِّ ، التي هي لغةُ العلم والمعرفة والثقافة في الوطن العربي .
فإذا أتقن التلميذ منذ صغرِهِ اللغةَ العربيةَ الفصحى التي هي لغة الكتاب، وأصبحت هذه اللغةُ حيَّةً في ضميره ، وخالَجَتْ مَشاعِرَهُ وأَحاسِيسَهُ استطاع أن يقرأَ كُلَّ شَيءٍ ، ويَفْهَمَ مَعْناهُ ، بل ويُفَكِّرَ ، ويقترحَ ، ويناقِشَ ، ويَبْتَكِرَ ، وبذلك يَصِلُ إلى مَرْحَلَةِ الإِبْداعِ والإنْتاجِ والتأثير في مجتمعه ؛ لأنه استطاعَ فَهْمَ العلومِ والمعارِفِ بلغتِهِ التي تَعَلَّمَها منذُ مرحلةِ السليقَةِ والفِطْرَةِ .
أما لو كانت اللهجةُ العاميةُ هي التي تخالجُ مَشَاعِرَهُ ، وهي الحيَّةُ في ضميرِهِ كان هذا مختلفًا عن أداة الثقافة الحقيقية ، ولأصبح تفكيرُه غَيْرَ إنتاجي ، وغيرَ إبداعي ؛ لأنه يفكر بغير لغة العلم .
فالتفكير ينبغي أن يكون بلغة العلم ، وبأسلوب التعليم الهادف .
واكتساب المفهومات العلمية في مرحلةٍ مبكرةٍ ومدى إتقانها هما اللذان يُقِرَّانِ مصيرَ النمو العقلي للطفل ، ويحددان منهج التفكير لديه ، ومستقبل حياته العلمية والعملية .
وقد أثبت علماء اللغة بأن الكلام الفردي للطفل يُوَلِّد الكلام الداخلي الذي له علاقة وثيقة بالإبداع .
ويمكن الاطلاع على ما كتبه علماءُ اللغةِ النفسيون عن علاقة اللغة بالفكر للاستزادة من ذلك .
وكذلك على التلميذ أن يتحدث بالفصحى في المحافل فهي اللغة التي تربط بين أبناء الوطن العربي ، وهي التي تؤلف القلوب ، فكيف يفهم الشرقيون على أهل المغرب العربي إذا لم يتقنا اللغة العربية الفصحى .
ويجبُ على الدعاة والخطباء والمعلمين والمذيعين تَنْزِيهُ أنفسهم عن التحدث بالعامية ؛ لأنَّ الفصحى هي اللغة التي تليق بهم ، فهم يريدون إيصال معلومات إلى الناس وإقناعهم بها ، فإن لم تكن لديهم ثقافة لغوية تمكنهم من ذلك فشلوا في أداء رسالتهم .
وعندما لا يستطيع المتحدث بها التعبيرَ عن أفكاره ، فهذا ليس عيبًا في اللغة ، وإنما في ضحالة الثروة اللغوية وفقرها لديه ، وعندما يعجز عن الإبانة عمَّا يعتلج في فكره ، فعندئذٍ تُتهم اللغة بأنها معوقة الإبداع .
وذلك مثل الذي لا يستطيع صعود الجبل لضعف همته وقدرته ، فيطلب من الجبل الانخفاضَ والدنوَّ ، ويكون الخطأ على الجبل الذي علا وارتفع وكان ينبغي أن لا يظل شاهقًا، ليناسب ضِعافَ الهِمَّة والعزيمة !! .
إنَّ الأمر يحتاجُ إلى إرادةٍ قَوِيَّةٍ ، وعزيمةٍ حازمةٍ ، وإيمانٍ جازمٍ بقدرة الفصحى على استيعاب العلوم والمصطلحات كلها .
ولا ننسَ أن الأجيال الواعدة هم الآنَ أمانةٌ عندنا ، فنحن الذين ننشئهم ونعودهم وندربهم ، وسينشؤون على ما عودناهم عليه .
فالطفل يكتسب اللغة فطريًا في مرحلة الصِّغر من بيئته اللغوية التي يعيشها ، وتصبح لديه سليقةً .
فمَنْ توانى أو تراخى في استخدام اللغة العربية الفصحى مع طلابه فإنه يكون مُقَصِّرًا تقصيرًا بيِّنًا بحق نفسه ، وبحقِّ أُمَّتِهِ ، ومَنْ ادَّعى غير ما ذكرتُ فقد أخطأَ ووَهِمَ .
بقلم الدكتور محمد بن محمود فجال